الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: فتح الباري شرح صحيح البخاري **
*3* ذَكَرَهُ أَنَسٌ وَعَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الشرح: قوله: (باب صلاة النوافل جماعة) قيل مراده النفل المطلق، ويحتمل ما هو أعم من ذلك. قوله: (ذكره أنس وعائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم) أما حديث أنس فأشار به إلى حديثه في صلاة النبي صلى الله عليه وسلم في بيت أم سليم، وفيه " فصففت أنا واليتيم وراءه " الحديث، وقد تقدم في الصفوف وغيرها. وأما حديث عائشة فأشار به إلى حديثها في صلاة النبي صلى الله عليه وسلم بهم في المسجد بالليل، وقد تقدم الكلام عليه في " باب التحريض على قيام الليل". الحديث: حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا أَبِي عَنْ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ أَخْبَرَنِي مَحْمُودُ بْنُ الرَّبِيعِ الْأَنْصَارِيُّ أَنَّهُ عَقَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَقَلَ مَجَّةً مَجَّهَا فِي وَجْهِهِ مِنْ بِئْرٍ كَانَتْ فِي دَارِهِمْ فَزَعَمَ مَحْمُودٌ أَنَّهُ سَمِعَ عِتْبَانَ بْنَ مَالِكٍ الْأَنْصارِيَّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَكَانَ مِمَّنْ شَهِدَ بَدْرًا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ كُنْتُ أُصَلِّي لِقَوْمِي بِبَنِي سَالِمٍ وَكَانَ يَحُولُ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ وَادٍ إِذَا جَاءَتْ الْأَمْطَارُ فَيَشُقُّ عَلَيَّ اجْتِيَازُهُ قِبَلَ مَسْجِدِهِمْ فَجِئْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ لَهُ إِنِّي أَنْكَرْتُ بَصَرِي وَإِنَّ الْوَادِيَ الَّذِي بَيْنِي وَبَيْنَ قَوْمِي يَسِيلُ إِذَا جَاءَتْ الْأَمْطَارُ فَيَشُقُّ عَلَيَّ اجْتِيَازُهُ فَوَدِدْتُ أَنَّكَ تَأْتِي فَتُصَلِّي مِنْ بَيْتِي مَكَانًا أَتَّخِذُهُ مُصَلًّى فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَأَفْعَلُ فَغَدَا عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بَعْدَ مَا اشْتَدَّ النَّهَارُ فَاسْتَأْذَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَذِنْتُ لَهُ فَلَمْ يَجْلِسْ حَتَّى قَالَ أَيْنَ تُحِبُّ أَنْ أُصَلِّيَ مِنْ بَيْتِكَ فَأَشَرْتُ لَهُ إِلَى الْمَكَانِ الَّذِي أُحِبُّ أَنْ أُصَلِّيَ فِيهِ فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَبَّرَ وَصَفَفْنَا وَرَاءَهُ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ سَلَّمَ وَسَلَّمْنَا حِينَ سَلَّمَ فَحَبَسْتُهُ عَلَى خَزِيرٍ يُصْنَعُ لَهُ فَسَمِعَ أَهْلُ الدَّارِ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَيْتِي فَثَابَ رِجَالٌ مِنْهُمْ حَتَّى كَثُرَ الرِّجَالُ فِي الْبَيْتِ فَقَالَ رَجُلٌ مِنْهُمْ مَا فَعَلَ مَالِكٌ لَا أَرَاهُ فَقَالَ رَجُلٌ مِنْهُمْ ذَاكَ مُنَافِقٌ لَا يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تَقُلْ ذَاكَ أَلَا تَرَاهُ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَبْتَغِي بِذَلِكَ وَجْهَ اللَّهِ فَقَالَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ أَمَّا نَحْنُ فَوَاللَّهِ لَا نَرَى وُدَّهُ وَلَا حَدِيثَهُ إِلَّا إِلَى الْمُنَافِقِينَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ حَرَّمَ عَلَى النَّارِ مَنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَبْتَغِي بِذَلِكَ وَجْهَ اللَّهِ قَالَ مَحْمُودُ بْنُ الرَّبِيعِ فَحَدَّثْتُهَا قَوْمًا فِيهِمْ أَبُو أَيُّوبَ صَاحِبُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزْوَتِهِ الَّتِي تُوُفِّيَ فِيهَا وَيَزِيدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ عَلَيْهِمْ بِأَرْضِ الرُّومِ فَأَنْكَرَهَا عَلَيَّ أَبُو أَيُّوبَ قَالَ وَاللَّهِ مَا أَظُنُّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَا قُلْتَ قَطُّ فَكَبُرَ ذَلِكَ عَلَيَّ فَجَعَلْتُ لِلَّهِ عَلَيَّ إِنْ سَلَّمَنِي حَتَّى أَقْفُلَ مِنْ غَزْوَتِي أَنْ أَسْأَلَ عَنْهَا عِتْبَانَ بْنَ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إِنْ وَجَدْتُهُ حَيًّا فِي مَسْجِدِ قَوْمِهِ فَقَفَلْتُ فَأَهْلَلْتُ بِحَجَّةٍ أَوْ بِعُمْرَةٍ ثُمَّ سِرْتُ حَتَّى قَدِمْتُ الْمَدِينَةَ فَأَتَيْتُ بَنِي سَالِمٍ فَإِذَا عِتْبَانُ شَيْخٌ أَعْمَى يُصَلِّي لِقَوْمِهِ فَلَمَّا سَلَّمَ مِنْ الصَّلَاةِ سَلَّمْتُ عَلَيْهِ وَأَخْبَرْتُهُ مَنْ أَنَا ثُمَّ سَأَلْتُهُ عَنْ ذَلِكَ الْحَدِيثِ فَحَدَّثَنِيهِ كَمَا حَدَّثَنِيهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ الشرح: قوله: (حدثنا إسحاق) قيل هو ابن راهويه، فإن هذا الحديث وقع في مسنده بهذا الإسناد، لكن في لفظه مخالفة يسيرة فيحتمل أن يكون إسحاق شيخ البخاري فيه هو ابن منصور. قوله: (أخبرنا يعقوب) التعبير بالإخبار قرينة في كون إسحاق هو ابن راهويه، لأنه لا يعبر عن شيوخه إلا بذلك، لكن وقع في رواية كريمة وأبي الوقت وغيرهما بلفظ التحديث، ويعقوب بن إبراهيم المذكور هو ابن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف الزهري. قوله: (وعقل مجة) تقدم الكلام عليه في كتاب العلم. قوله: (كان في دارهم) أي الدلو. وفي رواية الكشميهني " كانت " أي البئر. قوله: (فزعم محمود) أي أخبر، وهو من إطلاق الزعم على القول. قوله: (فيشق علي) في رواية الكشميهني " فشق " بصيغة الماضي. قوله: (أين تحب أن نصلي) بصيغة الجمع كذا للأكثر. وفي رواية الكشميهني بالإفراد. قوله: (ما فعل مالك) هو ابن الدخشن. قوله: (لا أراه) بفتح الهمزة من الرؤية. قوله: (قال محمود بن الربيع) أي بالإسناد الماضي (فحدثتها قوما) أي رجالا (فيهم أبو أيوب) هو خالد بن زيد الأنصاري الذي نزل عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قدم المدينة. قوله: (التي توفي فيها) ذكر ابن سعد وغيره أن أبا أيوب أوصى أن يدفن تحت أقدام الخيل ويغيب موضع قبره فدفن إلى جانب جدار القسطنطينية. قوله: (ويزيد بن معاوية) ابن أبي سفيان، قوله: (عليهم) أي كان أميرا، وذلك في سنة خمسين وقيل بعدها في خلافة معاوية، ووصلوا في تلك الغزوة حتى حاصروا القسطنطينية. قوله: (فأنكرها علي) قد بين أبو أيوب وجه الإنكار وهو ما غلب على ظنه من نفي القول المذكور، وما الباعث له على ذلك فقيل إنه استشكل قوله " إن الله قد حرم النار على من قال لا إله إلا الله " لأن ظاهره لا يدخل أحد من عصاة الموحدين النار، وهو مخالف لآيات كثيرة وأحاديث شهيرة منها أحاديث الشفاعة، لكن الجمع ممكن بأن يحمل التحريم على الخلود، وقد وافق محمودا على رواية هذا الحديث عن عتبان أنس بن مالك كما أخرجه مسلم من طريقه وهو متابع قوي جدا، وكأن الحامل لمحمود على الرجوع إلى عتبان ليسمع الحديث منه ثاني مرة أن أبا أيوب لما أنكر عليه اتهم نفسه بأن يكون ما ضبط القدر الذي أنكره عليه، ولهذا قنع بسماعه عن عتبان ثاني مرة. قوله: (حتى أقفل) بقاف وفاء أي أرجع وزنا ومعنى، وفي هذا الحديث فوائد كثيرة تقدمت مبسوطة في " باب المساجد في البيوت " وفيه ما ترجم له هنا وهو صلاة النوافل جماعة، وروي ابن وهب عن مالك أنه لا بأس بأن يؤم النفر في النافلة، فأما أن يكون مشتهرا ويجمع له الناس فلا، وهذا بناه على قاعدته في سد الذرائع لما يخشى من أن يظن من لا علم له أن ذلك فريضة، واستثنى ابن حبيب من أصحابه قيام رمضان لاشتهار ذلك من فعل الصحابة ومن بعدهم رضى الله عنهم، وفي الحديث من الفوائد ما تقدم بعضه مبسوطا، وملاطفة النبي صلى الله عليه وسلم بالأطفال، وذكر المرء ما فيه من العلة معتذرا، وطلب عين القبلة، وأن المكان المتخذ مسجدا من البيت لا يخرج عن ملك صاحبه، وأن النهي عن استيطان الرجل مكانا إنما هو في المسجد العام، وفيه عيب من تخلف عن حضور مجلس الكبير، وأن من عيب بما يظهر منه لا يعد غيبة وإن ذكر الإنسان بما فيه على جهة التعريف جائز، وأن التلفظ بالشهادتين كاف في إجراء أحكام المسلمين، وفيه استثبات طالب الحديث شيخه عما حدثه به إذا خشي من نسيانه وإعادة الشيخ الحديث، والرحلة في طلب العلم وغير ذلك. وقد ترجم المصنف بأكثر من ذلك والله المستعان. *3* الشرح: قوله: (باب التطوع في البيت) أورد فيه حديث ابن عمر " اجعلوا في بيوتكم من صلاتكم " وقد تقدم بلفظه من وجه آخر عن نافع في " باب كراهية الصلاة في المقابر " من أبواب المساجد مع الكلام عليه. الحديث: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْأَعْلَى بْنُ حَمَّادٍ حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ عَنْ أَيُّوبَ وَعُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اجْعَلُوا فِي بُيُوتِكُمْ مِنْ صَلَاتِكُمْ وَلَا تَتَّخِذُوهَا قُبُورًا تَابَعَهُ عَبْدُ الْوَهَّابِ عَنْ أَيُّوبَ الشرح: قوله: (تابعه عبد الوهاب) يعني الثقفي عن أيوب، وهذه المتابعة وصلها مسلم عن محمد بن المثني عنه بلفظ " صلوا في بيوتكم ولا تتخذوها قبورا". الحديث: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ بَاب فَضْلِ الصَّلَاةِ فِي مَسْجِدِ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ الشرح: قوله: (باب فضل الصلاة في مسجد مكة والمدينة) ثبت في نسخة الصغاني البسملة قبل الباب، قال ابن رشيد: لم يقل في الترجمة وبيت المقدس وإن كان مجموعا إليهما في الحديث لكونه أفرده بعد ذلك بترجمة، قال: وترجم بفضل الصلاة وليس في الحديث ذكر الصلاة ليبين أن المراد بالرحلة إلى المساجد قصد الصلاة فيها لأن لفظ المساجد مشعر بالصلاة انتهى. وظاهر إيراد المصنف لهذه الترجمة في أبواب التطوع يشعر بأن المراد بالصلاة في الترجمة صلاة النافلة، ويحتمل أن يراد بها ما هو أعم من ذلك فيدخل النافلة وهذا أوجه وبه قال الجمهور في حديث الباب، وذهب الطحاوي إلى أن التفضيل مختص بصلاة الفريضة كما سيأتي. *3* الحديث: حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ أَخْبَرَنِي عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عُمَيْرٍ عَنْ قَزَعَةَ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا سَعِيدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَرْبَعًا قَالَ سَمِعْتُ مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَ غَزَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ غَزْوَةً ح حَدَّثَنَا عَلِيٌّ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَا تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلَّا إِلَى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَمَسْجِدِ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَسْجِدِ الْأَقْصَى الشرح: قوله: (أخبرني عبد الملك) هو ابن عمير كما وقع في رواية أبي ذر والأصيلي. قوله: (عن قزعة) بفتح القاف وكذا الزاي، وحكى ابن الأثير سكونها بعدها مهملة، وهو ابن يحيي ويقال ابن الأسود، وسيأتي بند خمسة أبواب في هذا الإسناد " سمعت قزعة مولى زياد " وهو هذا وزياد مولاه هو ابن أبي سفيان الأمير المشهور، ورواية عبد الملك بن عمير عنه من رواية الأقران لأنهما من طبقة واحدة. قوله: (سمعت أبا سعيد أربعا) أي يذكر أربعا أو سمعت منه أربعا أي أربع كلمات. قوله: (وكان غزا) القائل ذلك هو قزعة والمقول عنه أبو سعيد الخدري. قوله: (ثنتي عشرة غزوة) كذا اقتصر المؤلف على هذا القدر ولم يذكر من المتن شيئا، وذكر بعده حديث أبي هريرة في شد الرحال فظن الداودي الشارح أن البخاري ساق الإسنادين لهذا المتن، وفيه نظر لأن حديث أبي سعيد مشتمل على أربعة أشياء كما ذكر المصنف، وحديث أبي هريرة مقتصر على شد الرحال فقط، لكن لا يمنع الجمع بينهما في سياق واحد بناء على قاعدة البخاري في إجازة اختصار الحديث. وقال ابن رشيد: لما كان أحد الأربع هو قوله " لا تشد الرحال " ذكر صدر الحديث إلى الموضع الذي يتلاقى فيه افتتاح أبي هريرة لحديث أبي سعيد فاقتطف الحديث، وكأنه قصد بذلك الإغماض لينبه غير الحافظ على فائدة الحفظ، على أنه ما أخلاه عن الإيضاح عن قرب فإنه ساقه بتمامه خامس ترجمة. قوله: (وحدثنا علي) هو ابن المديني، وسفيان هو ابن عيينة، وسعيد هو ابن المسيب، ووقع عند البيهقي وجه آخر عن علي بن المديني قال " حدثنا به سفيان مرة بهذا اللفظ وكان أكثر ما يحدث به بلفظ تشد الرحال". قوله: (لا تشد الرحال) بضم أوله بلفظ النفي، والمراد النهي عن السفر إلى غيرها، قال الطيبي: هو أبلغ من صريح النهي، كأنه قال: لا يستقيم أن يقصد بالزيارة إلا هذه البقاع لاختصاصها بما اختصت به، والرحال بالمهملة جمع رحل وهو للبعير كالسرج للفرس، وكنى بشد الرحال عن السفر لأنه لازمه وخرج ذكرها مخرج الغالب في ركوب المسافر وإلا فلا فرق بين ركوب الرواحل والخيل والبغال والحمير والمشي في المعني المذكور، ويدل عليه قوله في بعض طرقه " إنما يسافر " أخرجه مسلم من طريق عمران بن أبي أنس عن سليمان الأغر عن أبي هريرة. قوله: (إلا) الاستثناء مفرغ والتقدير لا تشد الرحال إلى موضع، ولازمه منع السفر إلى كل موضع غيرها، لأن المستثنى منه في المفرغ مقدر بأعم العام، لكن يمكن أن يكون المراد بالعموم هنا الموضع المخصوص وهو المسجد كما سيأتي. قوله: (المسجد الحرام) أي المحرم وهو كقولهما الكتاب بمعنى المكتوب، والمسجد بالخفض على البدلية، ويجوز الرفع على الاستئناف والمراد به جميع الحرم، وقيل يختص بالموضع الذي يصلي فيه دون البيوت وغيرها من أجزاء الحرم، قال الطبري: ويتأيد بقوله " مسجدي هذا " لأن الإشارة فيه إلى مسجد الجماعة فينبغي أن يكون المستثنى كذلك، وقيل المراد به الكعبة حكاه المحب الطبري وذكر أنه يتأيد بما رواه النسائي بلفظ " إلا الكعبة " وفيه نظر لأن الذي عند النسائي " إلا مسجد الكعبة " حتى ولو سقطت لفظة مسجد لكانت مرادة، ويؤيد الأول ما رواه الطيالسي من طريق عطاء أنه قيل له: هذا الفضل في المسجد وحده أو في الحرم؟ قال: بل في الحرم لأنه كله مسجد. قوله: (ومسجد الرسول) أي محمد صلى الله عليه وسلم، وفي العدول عن " مسجدي " إشارة إلى التعظيم، ويحتمل أن يكون ذلك من تصرف الرواة، ويؤيده قوله في حديث أبي سعيد الآتي قريبا " ومسجدي". قوله: (ومسجد الأقصى) أي بيت المقدس وهو من إضافة الموصوف إلى الصفة، وقد جوزه الكوفيون واستشهدوا له بقوله تعالى وقال الزمخشري: سمي الأقصى لأنه لم يكن حينئذ وراءه مسجد، وقيل لبعده عن الأقذار والخبث، وقيل هو أقصى بالنسبة إلى مسجد المدينة لأنه بعيد من مكة وبيت المقدس أبعد منه. ولبيت المقدس عدة أسماء تقرب من العشرين منها إيلياء بالمد والقصر وبحذف الياء الأولى وعن ابن عباس إدخال الألف واللام على هذا الثالث، وبيت المقدس بسكون القاف وبفتحها مع التشديد، والقدس بغير ميم مع ضم القاف وسكون الدال وبضمها أيضا، وشلم بالمعجمة وتشديد اللام وبالمهملة وشلام بمعجمة، وسلم بفتح المهملة وكسر اللام الخفيفة، وأوري سلم بسكون الواو وكسر الراء بعدها تحتانية ساكنة قال الأعشى: وقد طفت للمال آفاقه دمشق فحمص فأوري سلم ومن أسمائه كورة وبيت إيل وصهيون ومصروث آخره مثلثة وكورشيلا وبابوس بموحدتين ومعجمة، وقد تتبع أكثر هذه الأسماء الحسين بن خالويه اللغوي في كتاب " ليس"، وسيأتي ما يتعلق بمكة والمدينة في كتاب الحج. وفي هذا الحديث فضيلة هذه المساجد ومزيتها على غيرها لكونها مساجد الأنبياء، ولأن الأول قبلة الناس وإليه حجهم، والثاني كان قبلة الأمم السالفة، والثالث أسس على التقوى. واختلف في شد الرحال إلى غيرها كالذهاب إلى زيارة الصالحين أحياء وأمواتا وإلى المواضع الفاضلة لقصد التبرك بها والصلاة فيها فقال الشيخ أبو محمد الجويني: يحرم شد الرحال إلى غيرها عملا بظاهر هذا الحديث، وأشار القاضي حسين إلى اختياره وبه قال عياض وطائفة، ويدل عليه ما رواه أصحاب السنن من إنكار بصرة الغفاري على أبي هريرة خروجه إلى الطور وقال له " لو أدركتك قبل أن تخرج ما خرجت " واستدل بهذا الحديث فدل على أنه يرى حمل الحديث على عمومه، ووافقه أبو هريرة. والصحيح عند إمام الحرمين وغيره من الشافعية أنه لا يحرم، وأجابوا عن الحديث بأجوبة منها أن المراد أن الفضيلة التامة إنما هي في شد الرحال إلى هذه المساجد بخلاف غيرها فإنه جائز، وقد وقع في رواية لأحمد سيأتي ذكرها بلفظ " لا ينبغي للمطي أن تعمل " وهو لفظ ظاهر في غير التحريم ومنها أن النهي مخصوص بمن نذر على نفسه الصلاة في مسجد من سائر المساجد غير الثلاثة فإنه لا يجب الوفاء به قاله ابن بطال. وقال الخطابي: اللفظ لفظ الخبر ومعناه الإيجاب فيما ينذره الإنسان من الصلاة في البقاع التي يتبرك بها أي لا يلزم الوفاء بشيء من ذلك غير هذه المساجد الثلاثة، ومنها أن المراد حكم المساجد فقط وأنه لا تشد الرحال إلى مسجد من المساجد للصلاة فيه غير هذه الثلاثة؛ وأما قصد غير المساجد لزيارة صالح أو قريب أو صاحب أو طلب علم أو تجارة أو نزهة فلا يدخل في النهي، ويؤيده ما روى أحمد من طريق شهر بن حوشب قال: سمعت أبا سعيد وذكرت عنده الصلاة في الطور فقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا ينبغي للمصلي أن يشد رحاله إلى مسجد تبتغى فيه الصلاة غير المسجد الحرام والمسجد الأقصى ومسجدي " وشهر حسن الحديث وإن كان فيه بعض الضعف. ومنها أن المراد قصدها بالاعتكاف فيما حكاه الخطابي عن بعض السلف أنه قال: لا يعتكف في غيرها، وهو أخص من الذي قبله، ولم أر عليه دليلا، واستدل به على أن من نذر إتيان أحد هذه المساجد لزمه ذلك، وبه قال مالك وأحمد والشافعي والبويطي واختاره أبو إسحاق المروزي. وقال أبو حنيفة لا يجب مطلقا. وقال الشافعي في " الأم " يجب في المسجد الحرام لتعلق النسك به بخلاف المسجدين الأخيرين، وهذا هو المنصور لأصحاب الشافعي. وقال ابن المنذر: يجب إلى الحرمين، وأما الأقصى فلا، واستأنس بحديث جابر " أن رجلا قال للنبي صلى الله عليه وسلم إني نذرت إن فتح الله عليك مكة أن أصلي في بيت المقدس، قال: صل هاهنا " وقال ابن التين: الحجة على الشافعي إن إعمال المطي إلى مسجد المدينة والمسجد الأقصى والصلاة فيهما قربة فوجب أن يلزم بالنذر كالمسجد الحرام انتهى. وفيما يلزم من نذر إتيان هذه المساجد تفصيل وخلاف يطول ذكره محله كتب الفروع، واستدل به على أن من نذر إتيان غير هذه المساجد الثلاثة لصلاة أو غيرها لم يلزمه غيرها لأنها لا فضل لبعضها على بعض فتكفي صلاته في أي مسجد كان، قال النووي: لا اختلاف في ذلك إلا ما روي عن الليث أنه قال يجب الوفاء به، وعن الحنابلة رواية يلزمه كفارة يمين ولا ينعقد نذره، وعن المالكية رواية إن تعلقت به عبادة تختص به كرباط لزم وإلا فلا، وذكر عن محمد بن مسلمة المالكي أنه يلزم في مسجد قباء لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأتيه كل سبت كما سيأتي. قال الكرماني: وقع في هذه المسألة في عصرنا في البلاد الشامية مناظرات كثيرة وصنف فيها رسائل من الطرفين، قلت: يشير إلى ما رد به الشيخ تقي الدين السبكي وغيره على الشيخ تقي الدين بن تيمية وما انتصر به الحافظ شمس الدين بن عبد الهادي وغيره لابن تيمية وهي مشهورة في بلادنا، والحاصل أنهم ألزموا ابن تيمية بتحريم شد الرحل إلى زيارة قبر سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنكرنا صورة ذلك، وفي شرح ذلك من الطرفين طول، وهي من أبشع المسائل المنقولة عن ابن تيمية، ومن جملة ما استدل به على دفع ما ادعاه غيره من الإجماع على مشروعية زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم ما نقل عن مالك أنه كره أن يقول زرت قبر النبي صلى الله عليه وسلم، وقد أجاب عنه المحققون من أصحابه بأنه كره اللفظ أدبا لا أصل الزيارة فإنها من أفضل الأعمال وأجل القربات الموصلة إلى ذي الجلال وإن مشروعيتها محل إجماع بلا نزاع والله الهادي إلى الصواب. قال بعض المحققين: قوله " إلا إلى ثلاثة مساجد " المستثنى منه محذوف، فإما أن يقدر عاما فيصير: لا تشد الرحال إلى مكان في أي أمر كان إلا إلى الثلاثة، أو أخص من ذلك. لا سبيل إلى الأول لإفضائه إلى سد باب السفر للتجارة وصلة الرحم وطلب العلم وغيرها فتعين الثاني، والأولى أن يقدر ما هو أكثر مناسبة وهو: لا تشد الرحال إلى مسجد للصلاة فيه إلا إلى الثلاثة، فيبطل بذلك قول من منع شد الرحال إلى زيارة القبر الشريف وغيره من قبور الصالحين والله أعلم. وقال السبكي الكبير: ليس في الأرض بقعة لها فضل لذاتها حتى تشد الرحال إليها غير البلاد الثلاثة، ومرادي بالفضل ما شهد الشرع باعتباره ورتب عليه حكما شرعيا، وأما غيرها من البلاد فلا تشد إليها لذاتها بل لزيارة أو جهاد أو علم أو نحو ذلك من المندوبات أو المباحات، قال: وقد التبس ذلك على بعضهم فزعم أن شد الرحال إلى الزيارة لمن في غير الثلاثة داخل في المنع، وهو خطأ لأن الاستثناء إنما يكون من جنس المستثنى منه، فمعنى الحديث: لا تشد الرحال إلى مسجد من المساجد أو إلى مكان من الأمكنة لأجل ذلك المكان إلا إلى الثلاثة المذكورة، وشد الرحال إلى زيارة أو طلب علم ليس إلى المكان بل إلى من في ذلك المكان والله أعلم. الحديث: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ رَبَاحٍ وَعُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْأَغَرِّ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْأَغَرِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ صَلَاةٌ فِي مَسْجِدِي هَذَا خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ صَلَاةٍ فِيمَا سِوَاهُ إِلَّا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ الشرح: قوله: (زيد بن رباح) بالموحدة، وعبيد الله بالتصغير، والأغر هو سلمان شيخ الزهري المتقدم. قوله: (صلاة في مسجدي هذا) قال النووي: ينبغي أن يحرص المصلي على الصلاة في الموضع الذي كان في زمانه صلى الله عليه وسلم دون ما زيد فيه بعده، لأن التضعيف إنما ورد في مسجده، وقد أكده بقوله هذا، بخلاف مسجد مكة فإنه يشمل جميع مكة، بل صحح النووي أنه يعم جميع الحرم. قوله: (إلا المسجد الحرام) قال ابن بطال: يجوز في هذا الاستثناء أن يكون المراد فإنه مساو لمسجد المدينة وفاضلا أو مفضولا. والأول أرجح لأنه لو كان فاضلا أو مفضولا. لم يعلم مقدار ذلك إلا بدليل، بخلاف المساواة انتهى. وكأنه لم يقف على دليل الثاني، وقد أخرجه الإمام أحمد وصححه ابن حبان من طريق عطاء عن عبد الله بن الزبير قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه من المساجد إلا المسجد الحرام، وصلاة في المسجد الحرام أفضل من مائة صلاة في هذا " وفي رواية ابن حبان " وصلاة في ذلك أفضل من مائة صلاة في مسجد المدينة " قال ابن عبد البر: اختلف على ابن الزبير في رفعه ووقفه، ومن رفعه أحفظ وأثبت، ومثله لا يقال بالرأي. وفي ابن ماجة من حديث جابر مرفوعا " صلاة في مسجدي أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام، وصلاة في المسجد الحرام أفضل من مائة ألف صلاة فيما سواه " وفي بعض النسخ " من مائة صلاة فيما سواه " فعلى الأول معناه فيما سواه إلا مسجد المدينة، وعلى الثاني معناه من مائه صلاة في مسجد المدينة ورجال إسناده ثقات، لكنه من رواية عطاء في ذلك عنه، قال ابن عبد البر: جائز أن يكون عند عطاء في ذلك عنهما، وعلى ذلك يحمله أهل العلم بالحديث، ويؤيده أن عطاء إمام واسع الرواية معروف بالرواية عن جابر وابن الزبير، وروي البزار والطبراني من حديث أبي الدرداء رفعه " الصلاة في المسجد الحرام بمائة ألف صلاة، والصلاة في مسجدي بألف صلاة، والصلاة في بيت المقدس بخمسمائة صلاة " قال البزار إسناده حسن. فوضح بذلك أن المراد بالاستثناء تفضيل المسجد الحرام، وهو يرد على تأويل عبد الله بن نافع وغيره، وروى ابن عبد البر من طريق يحيى بن يحيى الليثي أنه سأل عبد الله بن نافع عن تأويل هذا الحديث فقال: معناه فإن الصلاة في مسجدي أفضل من الصلاة فيه بدون ألف صلاة، قال ابن عبد البر: لفظ دون يشمل الواحد فيلزم أن تكون الصلاة في مسجد المدينة أفضل من الصلاة في مسجد مكة بتسعمائة وتسع وتسعين صلاة، وحسبك بقول يؤول إلى هذا ضعفا. قال: وزعم بعض أصحابنا أن الصلاة في مسجد المدينة أفضل من الصلاة في مسجد مكة بمائة صلاة، واحتج برواية سليمان بن عتيق عن ابن الزبير عن عمر قال " صلاة في المسجد الحرام خير من مائة صلاة فيما سواه " وتعقب بأن المحفوظ بهذا الإسناد بلفظ " صلاة في المسجد الحرام أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلا مسجد الرسول فإنما فضله عليه بمائة صلاة " وروى عبد الرزاق عن ابن جريج قال أخبرني سليمان بن عتيق وعطاء عن ابن الزبير أنهما سمعاه يقول " صلاة في المسجد الحرام خير من مائة صلاة فيه " ويشير إلى مسجد المدينة. وللنسائي من رواية موسى الجهني عن نافع عن ابن عمر ما يؤيد هذا ولفظه كلفظ أبي هريرة وفي آخره " إلا المسجد الحرام فإنه أفضل منه بمائة صلاة " واستدل بهذا الحديث على تفضيل مكة على المدينة لأن الأمكنة تشرف بفضل العبادة فيها على غيرها مما تكون العبادة فيه مرجوحة وهو قول الجمهور، وحكي عن مالك، وبه قال ابن وهب ومطرف وابن حبيب من أصحابه، لكن المشهور عن مالك وأكثر أصحابه تفضيل المدينة، واستدلوا بقوله صلى الله عليه وسلم "ما بين قبري ومنبري روضة من رياض الجنة " مع قوله " موضع سوط في الجنة خير من الدنيا وما فيها " قال ابن عبد البر: هذا استدلال بالخبر في غير ما ورد فيه ولا يقاوم النص الوارد في فضل مكة، ثم ساق حديث أبي سلمة عن عبد الله بن عدي بن الحمراء قال " رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم واقفا على الحزورة فقال: والله إنك لخير أرض الله وأحب أرض الله إلى الله، ولولا أني أخرجت منك ما خرجت " وهو حديث صحيح أخرجه أصحاب السنن وصححه الترمذي وابن خزيمة وابن حبان وغيرهم، قال ابن عبد البر: هذا نص في محل الخلاف فلا ينبغي العدول عنه والله أعلم. وقد رجع عن هذا القول كثير من المصنفين من المالكية، لكن استثنى عياض البقعة التي دفن فيها النبي صلى الله عليه وسلم فحكى الاتفاق على أنها أفضل البقاع، وتعقب بأن هذا لا يتعلق بالبحث المذكور لأن محله ما يترتب عليه الفضل للعابد. وأجاب القرافي بأن سبب التفضيل لا ينحصر في كثرة الثواب على العمل بل قد يكون لغيرها كتفضيل جلد المصحف على سائر الجلود. وقال النووي في شرح المهذب: لم أر لأصحابنا نقلا في ذلك. وقال ابن عبد البر: إنما يحتج بقبر رسول الله صلى الله عليه وسلم على من أنكر فضلها، أما من أقر به وأنه ليس أفضل بعد مكة منها فقد أنزلها منزلتها. وقال غيره: سبب تفضيل البقعة التي ضمت أعضاءه الشريفة أنه روي أن المرء يدفن في البقعة التي أخذ منها ترابه عندما يخلق رواه ابن عبد البر في أواخر تمهيده من طريق عطاء الخراساني موقوفا، وعلى هذا فقد روى الزبير بن بكار أن جبريل أخذ التراب الذي خلق منه النبي صلى الله عليه وسلم من تراب الكعبة، فعلى هذا فالبقعة التي ضمت أعضاءه من تراب الكعبة فيرجع الفضل المذكور إلى مكة إن صح ذلك والله أعلم. واستدل به على تضعيف الصلاة مطلقا في المسجدين، وقد تقدم النقل عن الطحاوي وغيره أن ذلك مختص بالفرائض لقوله صلى الله عليه وسلم "أفضل صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة " ويمكن أن يقال لا مانع من إبقاء الحديث على عمومه فتكون صلاة النافلة في بيت بالمدينة أو مكة تضاعف على صلاتها في البيت بغيرهما وكذا في المسجدين وإن كانت في البيوت أفضل مطلقا. ثم إن التضعيف المذكور يرجع إلى الثواب ولا يتعدى إلى الإجزاء باتفاق العلماء كما نقله النووي وغيره، فلو كان عليه صلاتان فصلى في أحد المسجدين صلاة لم تجزه إلا عن واحدة والله أعلم. وقد أوهم كلام المقري أبي بكر النقاش في تفسيره خلاف ذلك فإنه قال فيه: حسبت الصلاة بالمسجد الحرام فبلغت صلاة واحدة بالمسجد الحرام عمر خمس وخمسين سنة وستة أشهر وعشرين ليلة انتهى. وهذا مع قطع النظر عن التضعيف بالجماعة فإنها تزيد سبعا وعشرين درجة كما تقدم في أبواب الجماعة، لكن هل يجتمع التضعيفان أو لا؟ محل بحث. بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الشرح: قوله: (باب مسجد قباء) أي فضله، وقباء بضم القاف ثم موحدة ممدودة عند أكثر أهل اللغة، وأنكر السكري قصره لكن حكاه صاحب العين، قال البكري: من العرب من يذكره فيصرفه ومنهم من يؤنثه فلا يصرفه. وفي المطالع: هو على ثلاثة أميال من المدينة. وقال ياقوت: على ميلين على يسار قاصد مكة وهو من عوالي المدينة. وسمي باسم بئر هناك. والمسجد المذكور هو مسجد بني عمرو بن عوف، وهو أول مسجد أسسه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسيأتي ذكر الخلاف في كونه المسجد الذي أسس على التقوى في " باب الهجرة " إن شاء الله تعالى. الحديث: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ هُوَ الدَّوْرَقِيُّ حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ أَخْبَرَنَا أَيُّوبُ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا كَانَ لَا يُصَلِّي مِنْ الضُّحَى إِلَّا فِي يَوْمَيْنِ يَوْمَ يَقْدَمُ بِمَكَّةَ فَإِنَّهُ كَانَ يَقْدَمُهَا ضُحًى فَيَطُوفُ بِالْبَيْتِ ثُمَّ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ خَلْفَ الْمَقَامِ وَيَوْمَ يَأْتِي مَسْجِدَ قُبَاءٍ فَإِنَّهُ كَانَ يَأْتِيهِ كُلَّ سَبْتٍ فَإِذَا دَخَلَ الْمَسْجِدَ كَرِهَ أَنْ يَخْرُجَ مِنْهُ حَتَّى يُصَلِّيَ فِيهِ قَالَ وَكَانَ يُحَدِّثُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَزُورُهُ رَاكِبًا وَمَاشِيًا قَالَ وَكَانَ يَقُولُ إِنَّمَا أَصْنَعُ كَمَا رَأَيْتُ أَصْحَابِي يَصْنَعُونَ وَلَا أَمْنَعُ أَحَدًا أَنْ يُصَلِّيَ فِي أَيِّ سَاعَةٍ شَاءَ مِنْ لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ غَيْرَ أَنْ لَا تَتَحَرَّوْا طُلُوعَ الشَّمْسِ وَلَا غُرُوبَهَا الشرح: قوله: (حدثنا يعقوب بن إبراهيم) في رواية أبي ذر " هو الدورقي". قوله: (كان لا يصلي الضحى) تقدم الكلام عليه قريبا. قوله: (وكان) أي ابن عمر. قوله: (يزوره) أي يزور مسجد قباء. قوله: (وكان يقول) أي ابن عمر، وقد تقدم الكلام على ذلك في أواخر المواقيت. وفي الحديث دلالة على فضل قباء وفضل المسجد الذي بها وفضل الصلاة فيه، لكن لم يثبت في ذلك تضعيف بخلاف المساجد الثلاثة. *3* الشرح: قوله: (باب من أتى مسجد قباء كل سبت) أراد بهذه الترجمة بيان تقييد ما أطلق في التي قبلها، لأنه قيد فيها في الموقوف بخلاف المرفوع فأطلق، ومن فضائل مسجد قباء ما رواه عمر بن شبة في " أخبار المدينة " بإسناد صحيح عن سعد بن أبي وقاص قال " لأن أصلي في مسجد قباء ركعتين أحب إلي من أن آتي بيت المقدس مرتين، لو يعلمون ما في قباء لضربوا إليه أكباد الإبل". الحديث: حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُسْلِمٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْتِي مَسْجِدَ قُبَاءٍ كُلَّ سَبْتٍ مَاشِيًا وَرَاكِبًا وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا يَفْعَلُهُ الشرح: قوله: (ماشيا وراكبا) أي بحسب ما تيسر، والواو بمعني أو. قوله: (وكان عبد الله) أي ابن عمر كما ثبت في رواية أبي ذر والأصيلي. *3* الشرح: قوله: (باب إتيان مسجد قباء ماشيا وراكبا) أفرد هذه الترجمة لاشتمال الحديث على حكم آخر غير ما تقدم. الحديث: حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ قَالَ حَدَّثَنِي نَافِعٌ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْتِي مَسْجِدَ قُبَاءٍ رَاكِبًا وَمَاشِيًا زَادَ ابْنُ نُمَيْرٍ حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ فَيُصَلِّي فِيهِ رَكْعَتَيْنِ الشرح: قوله: (حدثنا يحيي) زاد الأصيلي " ابن سعيد " وهو القطان، وعبيد الله بالتصغير هو ابن عمر العمري. قوله: (زاد ابن نمير) أي عبد الله (عن عبيد الله) أي ابن عمر. وطريق ابن نمير وصلها مسلم وأبو يعلي قالا: " أخبرنا محمد بن عبد الله بن نمير أخبرنا أبي به " وقال أبو بكر بن أبي شيبة في مسنده " حدثنا عبد الله بن نمير وأبو أسامة عن عبيد الله " فذكره بالزيادة، وادعى الطحاوي أنها مدرجة، وأن أحد الرواة قاله من عنده لعلمه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان من عادته أن لا يجلس حتى يصلي. وفي هذا الحديث على اختلاف طرقه دلالة على جواز تخصيص بعض الأيام ببعض الأعمال الصالحة والمداومة على ذلك، وفيه أن النهي عن شد الرحال لغير المساجد الثلاثة ليس على التحريم لكون النبي صلى الله عليه وسلم كان يأتي مسجد قباء راكبا، وتعقب بأن مجيئه صلى الله عليه وسلم إلى قباء إنما كان لمواصلة الأنصار وتفقد حالهم وحال من تأخر منهم عن حضور الجمعة معه، وهذا هو السر في تخصيص ذلك بالسبت. *3* الشرح: قوله: (باب فضل ما بين القبر والمنبر) لما ذكر فضل الصلاة في مسجد المدينة أراد أن ينبه على أن بعض بقاع المسجد أفضل من بعض، وترجم بذكر القبر، وأورد الحديثين بلفظ البيت، لأن القبر صار في البيت وقد ورد في بعض طرقه بلفظ القبر، قال القرطبي: الرواية الصحيحة " بيتي " ويروى " قبري " وكأنه بالمعنى لأنه دفن في بيت سكناه الحديث: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ عَنْ عَبَّادِ بْنِ تَمِيمٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ الْمَازِنِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَا بَيْنَ بَيْتِي وَمِنْبَرِي رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ الْجَنَّةِ الشرح: قوله: (عن عبد الله بن أبي بكر) أي ابن محمد بن عمرو بن حزم. الحديث: حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ عَنْ يَحْيَى عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ حَدَّثَنِي خُبَيْبُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ حَفْصِ بْنِ عَاصِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَا بَيْنَ بَيْتِي وَمِنْبَرِي رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ الْجَنَّةِ وَمِنْبَرِي عَلَى حَوْضِي الشرح: قوله: (عن عبيد الله) هو ابن عمر العمري، وثبت ذلك في رواية أبي ذر والأصيلي. قوله: (ومنبري على حوضي) سقطت هذه الجملة من رواية أبي ذر، وسيأتي هذا الحديث بسنده ومتنه كاملا في أواخر فضل المدينة من أواخر كتاب الحج، ويأتي الكلام على المتن هناك إن شاء الله تعالى مستوفى. *3* الشرح: قوله: (باب مسجد بيت المقدس) أي فضله. الحديث: حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ سَمِعْتُ قَزَعَةَ مَوْلَى زِيَادٍ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يُحَدِّثُ بِأَرْبَعٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَعْجَبْنَنِي وَآنَقْنَنِي قَالَ لَا تُسَافِرْ الْمَرْأَةُ يَوْمَيْنِ إِلَّا مَعَهَا زَوْجُهَا أَوْ ذُو مَحْرَمٍ وَلَا صَوْمَ فِي يَوْمَيْنِ الْفِطْرِ وَالْأَضْحَى وَلَا صَلَاةَ بَعْدَ صَلَاتَيْنِ بَعْدَ الصُّبْحِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ وَبَعْدَ الْعَصْرِ حَتَّى تَغْرُبَ وَلَا تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلَّا إِلَى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ مَسْجِدِ الْحَرَامِ وَمَسْجِدِ الْأَقْصَى وَمَسْجِدِي الشرح: قوله: (وآنقنني) بالمد ثم نون مفتوحة ثم قاف ساكنة بعدها نونان، يقال آنقه كذا إذا أعجبه، وشيء مونق أي معجب، وقوله وأعجبنني من التأكيد بغير اللفظي، وحكى ابن الأثير أنه روى " أينقنني " بتحتانية بدل الألف قال: وليس بشيء، وضبطه الأصيلي " أتقنني " بمثناة فوقانية من التوق، وإنما يقال منه توقني كشوقني. قوله: (لا تسافر المرأة) سيأتي الكلام عليه في الحج. قوله: (ولا صوم) سيأتي في الصوم، وقوله في الصلاة تقدم في أواخر المواقيت، وقوله (ولا تشد الرحال) تقدم قريبا. (خاتمة) اشتملت أبواب التطوع وما معها من الأحاديث المرفوعة على أربعة وثلاثين حديثا المعلق منها عشرة أحاديث وسائرها موصولة، المكرر منها فيها وفيما مضى اثنان وعشرون حديثا، والخالص اثنا عشر وافقه مسلم على تخريجها سوى حديث ابن عمر في صلاة الضحى، وحديث عبد الله بن مغفل في الركعتين قبل المغرب، وحديث عقبة بن عامر فيه، وفيها من الآثار الموقوفة على الصحابة ومن بعدهم أحد عشر أثرا وهي الستة المذكورة في الباب الأول، وأثر ابن عمر عن أبيه وأبي بكر ونفسه في ترك صلاة الضحى، وأثر أبي تميم في الركعتين قبل المغرب، وأثر محمود بن الربيع عن أبي أيوب وكلها موصولة. والله أعلم. *3* وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا يَسْتَعِينُ الرَّجُلُ فِي صَلَاتِهِ مِنْ جَسَدِهِ بِمَا شَاءَ وَوَضَعَ أَبُو إِسْحَاقَ قَلَنْسُوَتَهُ فِي الصَّلَاةِ وَرَفَعَهَا وَوَضَعَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَفَّهُ عَلَى رُسْغِهِ الْأَيْسَرِ إِلَّا أَنْ يَحُكَّ جِلْدًا أَوْ يُصْلِحَ ثَوْبًا الشرح: (باب) في نسخة الصغاني أبواب. قوله: (استعانة اليد في الصلاة إذا كان من أمر الصلاة. وقال ابن عباس: يستعين الرجل في صلاته من جسده بما شاء. ووضع أبو إسحاق - يعني السبيعي - قلنسوته في الصلاة ورفعها. ووضع علي كفه على رصغه الأيسر، إلا أن يحك جلدا أو يصلح ثوبا) هذا الاستثناء من بقية أثر علي على ما سأوضحه، وظن قوم أنه من تتمة الترجمة، فقال ابن رشيد: قوله " إلا أن يحك جلدا أو يصلح ثوبا " هو مستثني من قوله " إذا كان من أمر الصلاة " فاستثنى من ذلك جواز ما تدعو الضرورة إليه من حال المرء مع ما في ذلك من دفع التشويش عن النفس، قال: وكان الأولى في هذا الاستثناء أن يكون مقدما قبل قوله " وقال ابن عباس " انتهى. وسبقه إلى دعواه أن الاستثناء من الترجمة الإسماعيلي في مستخرجه فقال: قوله " إلا أن يحك جلدا " ينبغي أن يكون من صلة الباب عند قوله إذا كان من أمر الصلاة، وصرح بكونه من كلام البخاري لا من كلام علي العلامة علاء الدين مغلطاي في شرحه، وتبعه من أخذ ذلك عنه ممن أدركناه، وهو وهم، وذلك أن الاستثناء بقية أثر علي، كذلك رواه مسلم بن إبراهيم أحد مشايخ البخاري عن عبد السلام بن أبي حازم عن غزوان بن جرير الضبي عن أبيه - وكان شديد اللزوم لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه - قال " كان علي إذا قام إلى الصلاة فكبر ضرب بيده اليمنى على رصغه الأيسر، فلا يزال كذلك حتى يركع، إلا أن يحك جلدا أو يصلح ثوبا " هكذا رويناه في " السفينية الجرائدية " من طريق السلفي بسنده إلى مسلم بن إبراهيم، وكذلك أخرجه ابن أبي شيبة من هذا الوجه بلفظ " إلا أن يصلح ثوبه أو يحك جسده " وهذا هو الموافق للترجمة ولو كان أثر علي انتهى عند قوله " الأيسر " لما كان فيه تعلق بالترجمة إلا ببعد، وهذا من فوائد تخريج التعليقات. والرصغ بسكون الصاد المهملة بعدها معجمة قال صاحب العين: هو لغة في الرسغ، وهو مفصل ما بين الكف والساعد. وقال صاحب المحكم: الرصغ مجتمع الساقين والقدمين. ثم إن ظاهر هذه الآثار يخالف الترجمة لأنها مقيدة بما إذا كان العمل من أمر الصلاة وهي مطلقة، وكأن المصنف أشار إلى أن إطلاقها مقيد بما ذكر ليخرج العبث، ويمكن أن يقال: لها تعلق بالصلاة لأن دفع ما يؤذي المصلي يعين على دوام خشوعه المطلوب في الصلاة، ويدخل في الاستعانة التعلق بالحبل عند التعب والاعتماد على العصا ونحوهما، وقد رخص فيه بعض السلف، وقد مر الأمر بحل الحبل في أبواب قيام الليل، وسيأتي ذكر الاختصار بعد أبواب. الحديث: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ مَخْرَمَةَ بْنِ سُلَيْمَانَ عَنْ كُرَيْبٍ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ بَاتَ عِنْدَ مَيْمُونَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا وَهِيَ خَالَتُهُ قَالَ فَاضْطَجَعْتُ عَلَى عَرْضِ الْوِسَادَةِ وَاضْطَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَهْلُهُ فِي طُولِهَا فَنَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى انْتَصَفَ اللَّيْلُ أَوْ قَبْلَهُ بِقَلِيلٍ أَوْ بَعْدَهُ بِقَلِيلٍ ثُمَّ اسْتَيْقَظَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجَلَسَ فَمَسَحَ النَّوْمَ عَنْ وَجْهِهِ بِيَدِهِ ثُمَّ قَرَأَ الْعَشْرَ آيَاتٍ خَوَاتِيمَ سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ ثُمَّ قَامَ إِلَى شَنٍّ مُعَلَّقَةٍ فَتَوَضَّأَ مِنْهَا فَأَحْسَنَ وُضُوءَهُ ثُمَّ قَامَ يُصَلِّي قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فَقُمْتُ فَصَنَعْتُ مِثْلَ مَا صَنَعَ ثُمَّ ذَهَبْتُ فَقُمْتُ إِلَى جَنْبِهِ فَوَضَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَهُ الْيُمْنَى عَلَى رَأْسِي وَأَخَذَ بِأُذُنِي الْيُمْنَى يَفْتِلُهَا بِيَدِهِ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ أَوْتَرَ ثُمَّ اضْطَجَعَ حَتَّى جَاءَهُ الْمُؤَذِّنُ فَقَامَ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ ثُمَّ خَرَجَ فَصَلَّى الصُّبْحَ الشرح: قوله: (وأخذ بأذني اليمني يفتلها) هو شاهد الترجمة، لأنه أخذ بأذنه أولا لإدارته من الجانب الأيسر إلى الجانب الأيمن، وذلك من مصلحة الصلاة. ثم أخذ بها أيضا لتأنيسه لكون ذلك ليلا كما تقدم تقريره في أبواب الصفوف. قال ابن بطال: استنبط البخاري منه أنه لما جاز للمصلي أن يستعين بيده في صلاته فيما يختصن بغيره كانت استعانته في أمر نفسه ليتقوى بذلك على صلاته وينشط لها إذا احتاج إليه أولى، وقد تقدم الكلام على بقية فوائد حديث ابن عباس في أبواب الوتر. *3* الشرح: قوله: (باب ما ينهى من الكلام في الصلاة) في رواية الأصيلي والكشميهني " ما ينهى عنه " وفي الترجمة إشارة إلى أن بعض الكلام لا ينهى عنه كما سيأتي حكاية الخلاف فيه. الحديث: حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ حَدَّثَنَا ابْنُ فُضَيْلٍ حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ كُنَّا نُسَلِّمُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ فَيَرُدُّ عَلَيْنَا فَلَمَّا رَجَعْنَا مِنْ عِنْدِ النَّجَاشِيِّ سَلَّمْنَا عَلَيْهِ فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْنَا وَقَالَ إِنَّ فِي الصَّلَاةِ شُغْلًا حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ السَّلُولِيُّ حَدَّثَنَا هُرَيْمُ بْنُ سُفْيَانَ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَحْوَهُ الشرح: قوله: (حدثنا ابن نمير) هو محمد بن عبد الله بن نمير، نسب إلى جده، ولم يدرك البخاري عبد الله. قوله: (كنا نسلم على النبي صلى الله عليه وسلم وهو في الصلاة) في رواية أبي وائل " كنا نسلم في الصلاة ونأمر بحاجتنا " وفي رواية أبي الأحوص " خرجت في حاجة ونحن يسلم بعضنا على بعض في الصلاة " وسيأتي للمصنف بعد باب نحوه في حديث التشهد. قوله: (النجاشي) بفتح النون وحكي كسرها، وسيأتي تسميته والإشارة إلى شيء من أمره في كتاب الجنائز إن شاء الله تعالى. (فائدة) : روى ابن أبي شيبة من مرسل ابن سيرين أن النبي صلى الله عليه وسلم رد على ابن مسعود في هذه القصة السلام بالإشارة، وقد بوب المصنف لمسألة الإشارة في الصلاة بترجمة مفردة وستأتي في أواخر مسجود السهو قريبا. قوله: (فلم يرد علينا) زاد مسلم في رواية ابن فضيل " قلنا يا رسول الله كنا نسلم عليك في الصلاة فترد علينا " وكذا في رواية أبي عوانة التي في الهجرة. قوله: (إن في الصلاة شغلا) في رواية أحمد عن ابن فضيل " لشغلا " بزيادة اللام للتأكيد، والتنكير فيه للتنويع، أي بقراءة القرآن والذكر والدعاء، أو للتعظيم أي شغلا وأي شغل لأنها مناجاة مع الله تستدعي الاستغراق بخدمته فلا يصلح فيها الاشتغال بغيره. وقال النووي: معناه أن وظيفة المصلي الاشتغال بصلاته وتدبر ما يقوله فلا ينبغي أن يعرج على غيرها من رد السلام ونحوه، زاد في رواية أبي وائل " إن الله يحدث من أمره ما يشاء، وإن الله قد أحدث أن لا تكلموا في الصلاة " وزاد في رواية كلثوم الخزاعي " إلا بذكر الله وما ينبغي لكم فقوموا لله قانتين. فأمرنا بالسكوت". قوله: (هريم) بهاء وراء مصغرا، والسلولي بفتح المهملة ولامين الأولى خفيفة مضمومة، ورجال الإسنادين من الطريقين كلهم كوفيون، وسفيان هو الثوري، ورواية الأعمش بهذا الإسناد مما عد من أصح الأسانيد. قوله: (نحوه) ظاهر في أن لفظ رواية هريم غير متحد مع لفظ رواية ابن فضيل وأن معناهما واحد، وكذا أخرج مسلم الحديث من الطريقين وقال في رواية هريم أيضا " نحوه " ولم أقف على سياق لفظ هريم إلا عند الجوزقي فإنه ساقه من طريق إبراهيم بن إسحاق الزهري عنه ولم أر بينهما مغايرة، إلا أنه قال " قدمنا " بدل رجعنا، وزاد " فقيل له يا رسول الله " والباقي سواء وسيأتي في الهجرة من طريق أبي عوانة عن الأعمش أوضح من هذا، وللحديث طرق أخرى منها عند أبي داود والنسائي من طريق أبي ليلى عن ابن مسعود، وعند النسائي من طريق كلثوم الخزاعي عنه، وعند ابن ماجة والطحاوي من طريق أبي الأحوص عنه، وسيأتي التنبيه عليه في " باب قوله تعالى كل يوم هو في شأن " من أواخر كتاب التوحيد. الحديث: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى أَخْبَرَنَا عِيسَى هُوَ ابْنُ يُونُسَ عَنْ إِسْمَاعِيلَ عَنْ الْحَارِثِ بْنِ شُبَيْلٍ عَنْ أَبِي عَمْرٍو الشَّيْبَانِيِّ قَالَ قَالَ لِي زَيْدُ بْنُ أَرْقَمَ إِنْ كُنَّا لَنَتَكَلَّمُ فِي الصَّلَاةِ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُكَلِّمُ أَحَدُنَا صَاحِبَهُ بِحَاجَتِهِ حَتَّى نَزَلَتْ حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ فَأُمِرْنَا بِالسُّكُوتِ الشرح: قوله: (عن إسماعيل) هو ابن أبي خالد، والحارث بن شبيل ليس له في البخاري غير هذا الحديث، وأبوه بمعجمة وموحدة وآخره لام مصغر، وليس لأبي عمر وسعد بن أياس الشيباني شيخه عن زيد بن أرقم غيره. قوله: (إن كنا لنتكلم) بتخفيف النون، وهذا حكمه الرفع، وكذا قوله " أمرنا " لقوله فيه " على عهد النبي صلى الله عليه وسلم " حتى ولو لم يقيد بذلك لكان ذكر نزول الآية كافيا في كونه مرفوعا. قوله: (يكلم أحدنا صاحبه بحاجته) تفسير لقوله " نتكلم " والذي يظهر أنهم كانوا لا يتكلمون فيها بكل شيء وإنما يقتصرون على الحاجة من رد السلام ونحوه. قوله: (حتى نزلت) ظاهر في أن نسخ الكلام في الصلاة وقع بهذه الآية، فيقتضي أن النسخ وقع بالمدينة لأن الآية مدنية باتفاق، فيشكل ذلك على قول ابن مسعود إن ذلك وقع لما رجعوا من عند النجاشي، وكان رجوعهم من عنده إلى مكة، وذلك أن بعض المسلمين هاجر إلى الحبشة ثم بلغهم أن المشركين أسلموا فرجعوا إلى مكة فوجدوا الأمر بخلاف ذلك واشتد الأذى عليهم فخرجوا إليها أيضا فكانوا في المرة الثانية أضعاف الأولى، وكان ابن مسعود مع الفريقين، واختلف في مراده بقوله " فلما رجعنا " هل أراد الرجوع الأول أو الثاني، فجنح القاضي أبو الطيب الطبري وآخرون إلى الأول وقالوا كان تحريم الكلام بمكة، وحملوا حديث زيد على أنه وقومه لم يبلغهم النسخ وقالوا لا مانع أن يتقدم الحكم ثم تنزل الآية بوفقه. وجنح آخرون إلى الترجيح فقالوا: يترجح حديث ابن مسعود بأنه حكى لفظ النبي صلى الله عليه وسلم، بخلاف زيد بن أرقم فلم يحكه. وقال آخرون: إنما أراد ابن مسعود رجوعه الثاني، وقد ورد أنه قدم المدينة والنبي صلى الله عليه وسلم يتجهز إلى بدر، وفي مستدرك الحاكم من طريق أبي إسحاق عن عبد الله بن عتبة بن مسعود عن ابن مسعود قال " بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى النجاشي ثمانين رجلا " فذكر الحديث بطوله وفي آخره " فتعجل عبد الله بن مسعود فشهد بدرا " وفي السير لابن إسحاق: أن المسلمين بالحبشة لما بلغهم أن النبي صلى الله عليه وسلم هاجر إلى المدينة رجع منهم إلى مكة ثلاثة وثلاثون رجلا، فمات منهم رجلان بمكة وحبس منهم سبعة وتوجه إلى المدينة أربعة وعشرون رجلا فشهدوا بدرا. فعلى هذا كان ابن مسعود من هؤلاء، فظهر أن اجتماعه بالنبي صلى الله عليه وسلم بعد رجوعه كان بالمدينة، وإلى هذا الجمع نحا الخطابي ولم يقفه من تعقب كلامه على مستنده، ويقوي هذا الجمع رواية كلثوم المتقدمة فإنها ظاهرة في أن كلا من ابن مسعود وزيد بن أرقم حكى أن الناسخ قوله تعالى وأجاب ابن حبان في موضع آخر بأن زيد بن أرقم أراد بقوله " كنا نتكلم " من كان يصلي خلف النبي صلى الله عليه وسلم بمكة من المسلمين، وهو متعقب أيضا بأنهم ما كانوا بمكة يجتمعون إلا نادرا، وبما روى الطبراني من حديث أبي أمامة قال " كان الرجل إذا دخل المسجد فوجدهم يصلون سأل الذي إلى جنبه فيخبره بما فاته فيقضي ثم يدخل معهم، حتى جاء معاذ يوما فدخل في الصلاة " فذكر الحديث، وهذا كان بالمدينة قطعا لأن أبا أمامة ومعاذ بن جبل إنما أسلما بها. قوله: (حافظوا على الصلوات الآية) كذا في رواية كريمة، وساق في رواية أبي ذر وأبي الوقت الآية إلى آخرها، وانتهت رواية الأصيلي إلى قوله: (الوسطى) وسيأتي الكلام على المراد بالوسطى وبالقنوت في تفسير البقرة، وحديث زيد بن أرقم ظاهر في أن المراد بالقنوت السكوت. قوله: (فأمرنا بالسكوت) أي عن الكلام المتقدم ذكره لا مطلقا فإن الصلاة ليس فيها حال سكوت حقيقية. قال ابن دقيق العيد: ويترجح بما دل عليه لفظ " حتى " التي للغاية والفاء التي تشعر بتعليل ما سبق عليها لما يأتي بعدها. (تنبيه) : زاد مسلم في روايته " ونهينا عن الكلام " ولم يقع في البخاري، وذكرها صاحب العمدة ولم ينبه أحد من شراحها عليها، واستدل بهذه الزيادة على أن الأمر بالشيء ليس نهيا عن ضده، إذ لو كان كذلك لم يحتج إلى قوله " ونهينا عن الكلام " وأجيب بأن دلالته على ضده دلالة التزام، ومن ثم وقع الخلاف فلعله ذكر لكونه أصرح والله أعلم. قال ابن دقيق العيد: هذا اللفظ أحد ما يستدل به على النسخ وهو تقدم أحد الحكمين على الآخر، وليس كقول الراوي هذا منسوخ لأنه يطرقه احتمال أن يكون قاله عن اجتهاد، وقيل ليس في هذه القصة نسخ لأن إباحة الكلام في الصلاة كان بالبراءة الأصلية، والحكم المزيل لها ليس نسخا. وأجيب بأن الذي يقع في الصلاة ونحوها ما يمنع أو يباح إذا قرره الشارع كان حكما شرعيا، فإذا ورد ما يخالفه كان ناسخا وهو كذلك هنا. قال ابن دقيق العيد: وقوله " ونهينا عن الكلام " يقتضي أن كل شيء يسمى كلاما فهو منهي عنه حملا للفظ على عمومه، ويحتمل أن تكون اللام للعهد الراجع إلى قوله " يكلم الرجل منا صاحبه بحاجته " وقوله " فأمرنا بالسكوت " أي عما كانوا يفعلونه من ذلك. (تكميل) : أجمعوا على أن الكلام في الصلاة - من عالم بالتحريم عامد لغير مصلحتها أو إنقاذ مسلم - مبطل لها، واختلفوا في الساهي والجاهل فلا يبطلها القليل منه عند الجمهور، وأبطلها الحنفية مطلقا كما سيأتي في الكلام على حديث ذي اليدين في السهو، واختلفوا في أشياء أيضا كمن جرى على لسانه بغير قصد أو تعمد إصلاح الصلاة لسهو دخل على إمامه أو لإنقاذ مسلم لئلا يقع في مهلكة أو فتح على إمامه أو سبح لمن مر به أو رد السلام أو أجاب دعوة أحد والديه أو أكره على الكلام أو تقرب بقربة كأعتقت عبدي لله، ففي جميع ذلك خلاف محل بسطه كتب الفقه، وستأتي الإشارة إلى بعضه حيث يحتاج إليه. قال ابن المنير في الحاشية: الفرق بين قليل الفعل للعامد فلا يبطل وبين قليل الكلام أن الفعل لا تخلو منه الصلاة غالبا لمصلحتها وتخلو من الكلام الأجنبي غالبا مطردا، والله أعلم. *3* الشرح: قوله: (باب ما يجوز من التسبيح والحمد في الصلاة) قال ابن رشيد: أراد إلحاق التسبيح بالحمد بجامع الذكر لأن الذي في الحديث الذي ساقه ذكر التحميد دون التسبيح. قلت: بل الحديث مشتمل عليهما لكنه ساقه هنا مختصرا، وقد تقدم في " باب من دخل ليؤم الناس " من أبواب الإمامة من طريق مالك عن أبي حازم وفيه " فرفع أبو بكر يديه فحمد الله تعالى " وفي آخره " من نابه شيء في صلاة فليسبح " وسيأتي في أواخر أبواب السهو عن قتيبة عن عبد العزيز بن أبي حازم وفيه هذا. قوله: (للرجال) : قال ابن رشيد: قيده بالرجال لأن ذلك عنده لا يشرع للنساء. وقد أشعر بذلك تبويبه بعد حيث قال " باب التصفيق للنساء " ووجهه أن دلالة العموم لفظية وضعية ودلالة المفهوم من لوازم اللفظ عند الأكثرين، وقد قال في الحديث " التسبيح للرجال والتصفيق للنساء " فكأنه قال: لا تسبيح إلا للرجال ولا تصفيق إلا للنساء، وكأنه قدم المفهوم على العموم للعمل بالدليلين، لأن في إعمال العموم إبطالا للمفهوم. ولا يقال إن قوله " للرجال " من باب اللقب، لأنا نقول: بل هو من باب الصفة، لأنه في معني الذكور البالغين انتهى. الحديث: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي حَازِمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ خَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصْلِحُ بَيْنَ بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفِ بْنِ الْحَارِثِ وَحَانَتْ الصَّلَاةُ فَجَاءَ بِلَالٌ أَبَا بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فَقَالَ حُبِسَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَتَؤُمُّ النَّاسَ قَالَ نَعَمْ إِنْ شِئْتُمْ فَأَقَامَ بِلَالٌ الصَّلَاةَ فَتَقَدَّمَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَصَلَّى فَجَاءَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَمْشِي فِي الصُّفُوفِ يَشُقُّهَا شَقًّا حَتَّى قَامَ فِي الصَّفِّ الْأَوَّلِ فَأَخَذَ النَّاسُ بِالتَّصْفِيحِ قَالَ سَهْلٌ هَلْ تَدْرُونَ مَا التَّصْفِيحُ هُوَ التَّصْفِيقُ وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَا يَلْتَفِتُ فِي صَلَاتِهِ فَلَمَّا أَكْثَرُوا الْتَفَتَ فَإِذَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الصَّفِّ فَأَشَارَ إِلَيْهِ مَكَانَكَ فَرَفَعَ أَبُو بَكْرٍ يَدَيْهِ فَحَمِدَ اللَّهَ ثُمَّ رَجَعَ الْقَهْقَرَى وَرَاءَهُ وَتَقَدَّمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَصَلَّى الشرح: تقدم الكلام على فوائد هذا الحديث في الباب المذكور. وفيه من الفوائد مما تقدم بعضها مبسوطا: جواز تأخير الصلاة عن أول الوقت، وأن المبادرة إليها أولى من انتظار الإمام الراتب، وأنه لا ينبغي التقدم على الجماعة إلا برضا منهم، يؤخذ ذلك من قول أبي بكر " إن شئتم " مع علمه بأنه أفضل. وأن الالتفات في الصلاة لا يقطعها. وأن من سبح أو حمد لأمر ينوبه لا يقطع صلاته ولو قصد بذلك تنبيه غيره خلافا لمن قال بالبطلان. وقوله فيه " فقال سهل " أي ابن سعد راوي الحديث " هل تدرون ما التصفيح هو التصفيق " وهذه حجة لمن قال إنهما قال بمعني واحد، وبه صرح الخطابي وأبو علي القالي والجوهري وغيرهم، وادعى ابن حزم نفي الخلاف في ذلك، وتعقب بما حكاه عياض في الإكمال أنه بالحاء الضرب بظاهر إحدى اليدين على الأخرى، وبالقاف بباطنها على باطن الأخرى، وقيل بالحاء الضرب بأصبعين للإنذار والتنبيه وبالقاف بجميعها للهو واللعب، وأغرب الداودي فزعم أن الصحابة ضربوا بأكفهم على أفخاذهم، قال عياض: كأنه أخذه من حديث معاوية بن الحكم الذي أخرجه مسلم ففيه " فجعلوا يضربون بأيديهم على أفخاذهم". *3* الشرح: قوله: (باب من سمى قوما أو سلم في الصلاة على غيره وهو لا يعلم) كذا للأكثر، وزاد في رواية كريمة بعد على غيره " مواجهة " وحكى ابن رشيد أن في رواية أبي ذر عن الحموي إسقاط الهاء من غيره وإضافة مواجهة، قال: ويحتمل أن يكون بتنوين غير وفتح الجيم من مواجهة وبالنصب فيوافق المعنى الأول، ويحتمل أن يكون بتاء التأنيث فيكون المعنى لا تبطل الصلاة إذا سلم على غير مواجهة، ومفهومه أنه إذا كان مواجهة تبطل، قال: وكأن مقصود البخاري بهذه الترجمة أن شيئا من ذلك لا يبطل الصلاة لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمرهم بالإعادة وإنما علمهم ما يستقبلون، لكن يرد عليه أنه لا يستوي حال الجاهل قبل وجود الحكم مع حاله بعد ثبوته، ويبعد أن يكون الذين صدر منهم الفعل كان من غير علم بل الظاهر أن ذلك كان عندهم شرعا مقررا فورد النسخ عليه فيقع الفرق انتهى. وليس في الترجمة تصريح بجواز ولا بطلان. وكأنه ترك ذلك لاشتباه الأمر فيه. وقد تقدم الكلام على فوائد حديث الباب في أواخر صفة الصلاة. وقوله في هذا السياق " وسمى ناسا بأعيانهم " يفسره قوله في السياق المتقدم " السلام على جبريل السلام على ميكائيل إلخ " وقوله " يسلم بعضنا على بعض " ظاهر فيما ترجم له والله تعالى أعلم. *3* الشرح: قوله: (باب التصفيق للنساء) تقدم الكلام عليه قبل باب. وسفيان في الإسناد الأول هو ابن عيينة، وفي الثاني هو الثوري، ويحيي شيخ البخاري هو ابن جعفر، وكأن منع النساء من التسبيح لأنها مأمورة بخفض صوتها في الصلاة مطلقا لما يخشى من الافتتان. ومنع الرجال من التصفيق لأنه من شأن النساء، وعن مالك وغيره في قوله " التصفيق للنساء " أي هو من شأنهن في غير الصلاة وهو على جهة الذم له ولا ينبغي فعله في الصلاة لرجل ولا امرأة، وتعقب برواية حماد بن زيد عن أبي حازم في الأحكام بصيغة الأمر " فليسبح الرجال وليصفق النساء " فهذا نصن يدفع ما تأوله أهل هذه المقالة، قالا القرطبي: القول بمشروعية التصفيق للنساء هو الصحيح خبرا ونظرا. *3* رَوَاهُ سَهْلُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الشرح: قوله: (باب من رجع القهقرى في الصلاة أو تقدم بأمر ينزل به، رواه سهل بن سعد عن النبي صلى الله عليه وسلم) يشير بذلك إلى حديثه الماضي قريبا فقيه " فرفع أبو بكر يديه فحمد الله ثم رجع القهقري". وأما قوله " أو تقدم " فهو مأخوذ من الحديث أيضا، وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم وقف في الصف الأول خلف أبي بكر على إرادة الائتمام به فامتنع أبو بكر من ذلك، فتقدم النبي صلى الله عليه وسلم ورجع أبو بكر من موقف الإمام إلى موقف المأموم. ويحتمل أن يكون المراد بحديث سهل ما تقدم في الجمعة من صلاته صلى الله عليه وسلم على المنبر ونزوله القهقري حتى سجد في أصل المنبر ثم تقدم حتى عاد إلى مقامه، والله أعلم. واستدل به على جواز العمل في الصلاة إذا كان يسيرا ولم يحصل فيه التوالي. الحديث: حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ قَالَ يُونُسُ قَالَ الزُّهْرِيُّ أَخْبَرَنِي أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ أَنَّ الْمُسْلِمِينَ بَيْنَا هُمْ فِي الْفَجْرِ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ وَأَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يُصَلِّي بِهِمْ فَفَجِئَهُمْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ كَشَفَ سِتْرَ حُجْرَةِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا فَنَظَرَ إِلَيْهِمْ وَهُمْ صُفُوفٌ فَتَبَسَّمَ يَضْحَكُ فَنَكَصَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَظَنَّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُرِيدُ أَنْ يَخْرُجَ إِلَى الصَّلَاةِ وَهَمَّ الْمُسْلِمُونَ أَنْ يَفْتَتِنُوا فِي صَلَاتِهِمْ فَرَحًا بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ رَأَوْهُ فَأَشَارَ بِيَدِهِ أَنْ أَتِمُّوا ثُمَّ دَخَلَ الْحُجْرَةَ وَأَرْخَى السِّتْرَ وَتُوُفِّيَ ذَلِكَ الْيَوْمَ الشرح: قوله: (حدثنا بشر بن محمد) هو المروزي، وعبد الله هو ابن المبارك، ويونس هو ابن زيد. قوله: (قال يونس قال الزهري) أي قال قال يونس وهي تحذف خطا في الاصطلاح لا نطقا. قوله: (ففجأهم) قال ابن التين: كذا وقع في الأصل بالألف وحقه أن يكتب بالياء لأن عينه مكسورة كوطئهم انتهى، وبقية فوائد المتن تقدمت في " باب أهل العلم والفضل أحق بالإمامة " من أبواب الإمامة، ويأتي الكلام عليه مستوفى في أواخر المغازي إن شاء الله تعالى. *3* وَقَالَ اللَّيْثُ حَدَّثَنِي جَعْفَرُ بْنُ رَبِيعَةَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ هُرْمُزَ قَالَ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَادَتْ امْرَأَةٌ ابْنَهَا وَهُوَ فِي صَوْمَعَةٍ قَالَتْ يَا جُرَيْجُ قَالَ اللَّهُمَّ أُمِّي وَصَلَاتِي قَالَتْ يَا جُرَيْجُ قَالَ اللَّهُمَّ أُمِّي وَصَلَاتِي قَالَتْ يَا جُرَيْجُ قَالَ اللَّهُمَّ أُمِّي وَصَلَاتِي قَالَتْ اللَّهُمَّ لَا يَمُوتُ جُرَيْجٌ حَتَّى يَنْظُرَ فِي وُجُوهِ الْمَيَامِيسِ وَكَانَتْ تَأْوِي إِلَى صَوْمَعَتِهِ رَاعِيَةٌ تَرْعَى الْغَنَمَ فَوَلَدَتْ فَقِيلَ لَهَا مِمَّنْ هَذَا الْوَلَدُ قَالَتْ مِنْ جُرَيْجٍ نَزَلَ مِنْ صَوْمَعَتِهِ قَالَ جُرَيْجٌ أَيْنَ هَذِهِ الَّتِي تَزْعُمُ أَنَّ وَلَدَهَا لِي قَالَ يَا بَابُوسُ مَنْ أَبُوكَ قَالَ رَاعِي الْغَنَمِ الشرح: قوله: (باب إذا دعت الأم ولدها في الصلاة) أي هل يجب إجابتها أم لا؟ إذا وجبت هل تبطل الصلاة أو لا؟ في المسألتين خلاف، ولذلك حذف المصنف جواب الشرط. قوله: (وقال الليث) وصله الإسماعيلي من طريق عاصم بن علي أحد شيوخ البخاري عن الليث مطولا، وجعفر هو ابن ربيعة المصري، وجريج بجيمين مصغر. وقوله في وجه المياميس في رواية أبي ذر " وجوه " بصيغة الجمع والمياميس جمع مومسة بكسر الميم وهي الزانية، قال ابن الجوزي: إثبات الياء فيه غلط والصواب حذفها وخرج على إشباع الكسرة وحكى غيره جوازه، قال ابن بطال: سبب دعاء أم جريج على ولدها أن الكلام في الصلاة كان في شرعهم مباحا، فلما آثر استمراره في صلاته ومناجاته على إجابتها دعت عليه لتأخيره حقها انتهى. والذي يظهر من ترديده في قوله " أمي، وصلاتي " أن الكلام عنده يقطع الصلاة فلذلك لم يجبها، وقد روى الحسن بن سفيان وغيره من طريق الليث عن يزيد بن حوشب عن أبيه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " لو كان جريج عالما لعلم أن إجابته أمه أولى من عبادة ربه " ويزيد هذا مجهول، وحوشب بمهملة ثم معجمة وزن جعفر، ووهم الدمياطي فزعم أنه ذو ظليم، والصواب أنه غيره لأن ذا ظليم لم يسمع من النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا وقع التصريح بسماعه، وقوله فيه " يا بابوس " بموحدتين بينهما ألف ساكنة والثانية مضمومة وآخره مهملة قال القزاز: هو الصغير. وقال ابن بطال: الرضيع، وهو بوزن جاسوس. واختلف هل هو عربي أو معرب؟ وأغرب الداودي الشارح فقال: هو اسم ذلك الولد بعينه وفيه نظر، وقد قال الشاعر: حنت قلوصي إلى بابوسها جزعا. وقال الكرماني: إن صحت الرواية بتنوين السين تكون كنية له ويكون معناه يا أبا الشدة، وسيأتي بقية الكلام عليه في ذكر بني إسرائيل. *3* الشرح: قوله: (باب مسح الحصى في الصلاة) قال ابن رشيد: ترجم بالحصى والمتن الذي أورده (في التراب) لينبه على إلحاق الحصى بالتراب في الاقتصار على التسوية مرة، وأشار بذلك أيضا إلى ما ورد في بعض طرقه بلفظ " الحصى " كما أخرجه مسلم من طريق وكيع عن هشام الدستوائي عن يحيى بن أبي كثير بلفظ " المسح في المسجد يعني الحصى " قال ابن رشيد: لما كان في الحديث " يعني " ولا يدري أهي قول الصحابي أو غيره عدل عنها البخاري إلى ذكر الرواية التي فيها التراب. وقال الكرماني: ترجم بالحصى لأن الغالب أنه يوجد في التراب فيلزم من تسويته مسح الحصى. قلت: قد أخرجه أبو داود عن مسلم بن إبراهيم عن هشام بلفظ " فإن كنت لا بد فاعلا فواحدة تسوية الحصى " وأخرجه الترمذي من طريق الأوزاعي عن يحيى بلفظ " سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن مسح الحصى في الصلاة " فلعل البخاري أشار إلى هذه الرواية، أو إلى ما رواه أحمد من حديث حذيفة قال " سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن كل شيء حتى عن مسح الحصى فقال: واحدة أو دع " ورواه أصحاب السنن من حديث أبي ذر بلفظ " إذا قام أحدكم إلى الصلاة فإن الرحمة تواجهه فلا يمسح الحصى " وقوله " إذا قام " المراد به الدخول في الصلاة ليوافق حديث الباب فلا يكون منهيا عن المسح قبل الدخول فيها، بل الأولى أن يفعل ذلك حتى لا يشتغل باله وهو في الصلاة به. (تنبيه) : التقييد بالحصى وبالتراب خرج للغالب لكونه كان الموجود في فرش المساجد إذ ذاك، فلا يدل تعليق الحكم به على نفيه على غيره مما يصلى عليه من الرمل والقذى وغير ذلك. الحديث: حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ حَدَّثَنَا شَيْبَانُ عَنْ يَحْيَى عَنْ أَبِي سَلَمَةَ قَالَ حَدَّثَنِي مُعَيْقِيبٌ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِي الرَّجُلِ يُسَوِّي التُّرَابَ حَيْثُ يَسْجُدُ قَالَ إِنْ كُنْتَ فَاعِلًا فَوَاحِدَةً الشرح: قوله: (حدثنا شيبان) هو ابن عبد الرحمن، ويحيى هو ابن أبي كثير. قوله: (عن أبي سلمة) هو ابن عبد الرحمن. وفي رواية الترمذي من طريق الأوزاعي عن يحيى " حدثني أبو سلمة " ومعيقيب بالمهملة وبالقاف وآخره موحدة مصغر هو ابن أبي فاطمة الدوسي حليف بني عبد شمس، كان من السابقين الأولين، وليس له في البخاري إلا هذا الحديث الواحد. قوله: (في الرجل) أي حكم الرجل، وذكر للغالب وإلا فالحكم جار في جميع المكلفين. وحكى النووي اتفاق العلماء على كراهة مسح الحصى وغيره في الصلاة، وفيه نظر فقد حكى الخطابي في " المعالم " عن مالك أنه لم ير به بأسا وكان يفعله فكأنه لم يبلغه الخبر، وأفرط بعض أهل الظاهر فقال: إنه حرام إذا زاد على واحدة لظاهر النهي، ولم يفرق بين ما إذا توالى أو لا، مع أنه لم يقل بوجوب الخشوع، والذي يظهر أن علة كراهيته المحافظة على الخشوع، أو لئلا يكثر العمل في الصلاة، لكن حديث أبي ذر المتقدم يدل على أن العلة فيه أن يجعل بينه وبين الرحمة التي تواجهه حائلا. وروى ابن أبي شيبة عن أبي صالح السمان قال " إذا سجدت فلا تمسح الحصى، فإن كل حصاة تحب أن يسجد عليها " فهذا تعليل آخر والله أعلم. قوله: (حيث يسجد) أي مكان السجود، وهل يتناول العضو الساجد؟ لا يبعد ذلك. وقد روى ابن أبي شيبة عن أبي الدرداء قال " ما أحب أن لي حمر النعم وأني مسحت مكان جبيني من الحصى " وقال عياض: كره السلف مسح الجبهة في الصلاة قبل الانصراف. قلت: وقد تقدم في أواخر صفة الصلاة حكاية استدلال الحميدي لذلك بحديث أبي سعيد في رؤيته الماء والطين في جبهة النبي صلى الله عليه وسلم بعد أن انصرف من صلاة الصبح. قوله: (فواحدة) بالنصب على إضمار فعل أي فامسح واحدة، أو على النعت لمصدر محذوف، ويجوز الرفع على إضمار الخبر أي فواحدة تكفي، أو إضمار المبتدأ أي فالمشروع واحدة. ووقع في رواية الترمذي " إن كنت فاعلا فمرة واحدة". *3* الشرح: قوله: (باب بسط الثوب في الصلاة للسجود) هذه الترجمة من جملة العمل اليسير في الصلاة أيضا، وهو أن يتعمد إلقاء الثوب على الأرض ليسجد عليه، وقد تقدم الكلام عليه في أوائل الصلاة، وتقدم الخلاف في ذلك وتفرقة من فرق بين الثوب الذي هو لابسه أو غير لابسه. الحديث: حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا بِشْرٌ حَدَّثَنَا غَالِبٌ الْقَطَّانُ عَنْ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ كُنَّا نُصَلِّي مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي شِدَّةِ الْحَرِّ فَإِذَا لَمْ يَسْتَطِعْ أَحَدُنَا أَنْ يُمَكِّنَ وَجْهَهُ مِنْ الْأَرْضِ بَسَطَ ثَوْبَهُ فَسَجَدَ عَلَيْهِ الشرح: قوله: (حدثنا بشر) هو ابن المفضل، وغالب هو القطان كما وقع في رواية أبي ذر. *3* الشرح: قوله: (باب ما يجوز من العمل في الصلاة) أي غير ما تقدم، أورد فيه حديث عائشة في نومها في قبلة النبي صلى الله عليه وسلم وغمزه لها إذا سجد، وقد تقدم الكلام عليه في " باب الصلاة على الفراش " في أوائل الصلاة. الحديث: حَدَّثَنَا مَحْمُودٌ حَدَّثَنَا شَبَابَةُ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ صَلَّى صَلَاةً قَالَ إِنَّ الشَّيْطَانَ عَرَضَ لِي فَشَدَّ عَلَيَّ لِيَقْطَعَ الصَّلَاةَ عَلَيَّ فَأَمْكَنَنِي اللَّهُ مِنْهُ فَذَعَتُّهُ وَلَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ أُوثِقَهُ إِلَى سَارِيَةٍ حَتَّى تُصْبِحُوا فَتَنْظُرُوا إِلَيْهِ فَذَكَرْتُ قَوْلَ سُلَيْمَانَ عَلَيْهِ السَّلَام رَبِّ هَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي فَرَدَّهُ اللَّهُ خَاسِيًا ثُمَّ قَالَ النَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ فَذَعَتُّهُ بِالذَّالِ أَيْ خَنَقْتُهُ وَفَدَعَّتُّهُ مِنْ قَوْلِ اللَّهِ يَوْمَ يُدَعُّونَ أَيْ يُدْفَعُونَ وَالصَّوَابُ فَدَعَتُّهُ إِلَّا أَنَّهُ كَذَا قَالَ بِتَشْدِيدِ الْعَيْنِ وَالتَّاءِ الشرح: قوله: (حدثنا محمود) هو ابن غيلان، وشبابة بمعجمة وموحدتين الأولى خفيفة. قوله: (إن الشيطان عرض) تقدم في " باب ربط الغريم في المسجد " من أبواب المساجد من وجه آخر عن شعبة بلفظ " إن عفريتا من الجن تفلت علي " وهو ظاهر في أن المراد بالشيطان في هذه الرواية غير إبليس كبير الشياطين. قوله: (فشد علي) بالمعجمة أي حمل. قوله: (ليقطع) في رواية الحموي والمستملي بحذف اللام. قوله: (فذعته) يأتي ضبطه بعد. قوله: (فتنظروا) في رواية الحموي والمستملي " أو تنظروا إليه " بالشك وقد تقدم بعض الكلام على هذا الحديث في الباب المذكور ويأتي الكلام على بقيته في أول بدء الخلق إن شاء الله تعالى. قوله: (قال النضر بن شميل فذعته بالذال) يعني المعجمة وتخفيف العين المهملة (أي خنقته، وأما فدعته بالمهملة وتشديد العين فمن قوله تعالى وهذا الكلام وقع في رواية كريمة عن الكشميهني، وقد أخرجه مسلم من طريق النضر بن شميل بدون هذه الزيادة وهي في كتاب " غريب الحديث للنضر " وهو في مروياتنا من طريق أبي داود المصاحفي عن النضر كما بينته في تعليق التعليق. *3* وَقَالَ قَتَادَةُ إِنْ أُخِذَ ثَوْبُهُ يَتْبَعُ السَّارِقَ وَيَدَعُ الصَّلَاةَ الشرح: قوله: (باب إذا انفلتت الدابة في الصلاة) أي ماذا يصنع؟ . قوله: (وقال قتادة إلخ) وصله عبد الرزاق عن معمر عنه بمعناه وزاد " فيرى صبيا على بئر فيتخوف أن يسقط فيها، قال: ينصرف له". الحديث: حَدَّثَنَا آدَمُ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ حَدَّثَنَا الْأَزْرَقُ بْنُ قَيْسٍ قَالَ كُنَّا بِالْأَهْوَازِ نُقَاتِلُ الْحَرُورِيَّةَ فَبَيْنَا أَنَا عَلَى جُرُفِ نَهَرٍ إِذَا رَجُلٌ يُصَلِّي وَإِذَا لِجَامُ دَابَّتِهِ بِيَدِهِ فَجَعَلَتْ الدَّابَّةُ تُنَازِعُهُ وَجَعَلَ يَتْبَعُهَا قَالَ شُعْبَةُ هُوَ أَبُو بَرْزَةَ الْأَسْلَمِيُّ فَجَعَلَ رَجُلٌ مِنْ الْخَوَارِجِ يَقُولُ اللَّهُمَّ افْعَلْ بِهَذَا الشَّيْخِ فَلَمَّا انْصَرَفَ الشَّيْخُ قَالَ إِنِّي سَمِعْتُ قَوْلَكُمْ وَإِنِّي غَزَوْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سِتَّ غَزَوَاتٍ أَوْ سَبْعَ غَزَوَاتٍ وَثَمَانِيَ وَشَهِدْتُ تَيْسِيرَهُ وَإِنِّي إِنْ كُنْتُ أَنْ أُرَاجِعَ مَعَ دَابَّتِي أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَدَعَهَا تَرْجِعُ إِلَى مَأْلَفِهَا فَيَشُقُّ عَلَيَّ الشرح: قوله: (كنا بالأهواز) بفتح الهمزة وسكون الهاء هي بلدة معروفة بين البصرة وفارس فتحت في خلافة عمر، قال في المحكم: ليس له واحد من لفظه، قال أبو عبيد البكري: هي بلد يجمعها سبع كور فذكرها. قال ابن خرداذبة: هي بلاد واسعة متصلة بالجبل وأصبهان. قوله: (الحرورية) بمهملات أي الخوارج، وكان الذي يقاتلهم إذ ذاك المهلب بن أبي صفرة كما في رواية عمرو بن مرزوق عن شعبة عند الإسماعيلي، وذكر محمد بن قدامة الجوهري في كتابه " أخبار الخوارج " أن ذلك كان في سنة خمس وستين من الهجرة، وكان الخوارج قد حاصروا أهل البصرة مع نافع بن الأزرق حتى قتل وقتل من أمراء البصرة جماعة إلى أن ولي عبد الله بن الزبير الحارث بن عبد الله بن أبي ربيعة المخزومي على البصرة وولي المهلب بن أبي صفرة على قتال الخوارج، وكذا ذكر المبرد في الكامل نحوه. وهو يعكر على من أرخ وفاة أبي برزة سنة أربع وستين أو قبلها. قوله: (على جرف نهر) هو بضم الجيم والراء بعدها فاء وقد تسكن الراء، وهو المكان الذي أكله السيل. وللكشميهني بفتح المهملة وسكون الراء أي جانبه، ووقع في رواية حماد بن زيد عن الأزرق في الأدب " كنا على شاطئ نهر قد نضب عنه الماء " أي زال وهو يقوي رواية الكشميهني. وفي رواية مهدي بن ميمون عن الأزرق عن محمد بن قدامة " كنت في ظل قصر مهران بالأهواز على شاطئ دجيل " وعرف بهذا تسمية النهر المذكور وهو بالجيم مصغر. قوله: (إذا رجل) في رواية الحموي والكشميهني " إذ جاء رجل". قوله: (قال شعبة هو أبو برزة الأسلمي) أي الرجل المصلي، وظاهره أن الأزرق لم يسمه لشعبة ولكن رواه أبو داود الطيالسي في مسنده عن شعبة فقال في آخره " فإذا هو أبو برزة الأسلمي " وفي رواية عمرو بن مرزوق عند الإسماعيلي " فجاء أبو برزة " وفي رواية حماد في الأدب " فجاء أبو برزة الأسلمي على فرس فصلى وخلاها فانطلقت فاتبعها " ورواه عبد الرزاق عن معمر عن الأزرق بن قيس " أن أبا برزة الأسلمي مشى إلى دابته وهو في الصلاة " الحديث، وبين مهدي بن ميمون في روايته أن تلك الصلاة كانت صلاة العصر. وفي رواية عمرو بن مرزوق عند الإسماعيلي " فمضت الدابة في قبلته فانطلق فأخذها ثم رجع القهقري". قوله: (فجعل رجل من الخوارج يقول: اللهم افعل بهذا الشيخ) في رواية الطيالسي " فإذا بشيخ يصلي قد عمد إلى عنان دابته فجعله في يده فنكصت الدابة فنكص معها، ومعنا رجل من الخوارج فجعل يسبه " وفي رواية مهدي أنه قال: ألا ترى إلى هذا الحمار. وفي رواية حماد فقال: انظروا إلى هذا الشيخ ترك صلاته من أجل فرس. قوله: (أو ثمانيا) كذا للكشميهني. وفي رواية غيره " أو ثماني " بغير ألف ولا تنوين. وقال ابن مالك في شرح التسهيل: الأصل أو ثماني غزوات فحذف المضاف وأبقى المضاف إليه على حاله، وقد رواه عمرو بن مرزوق بلفظ " سبع غزوات " بغير شك. قوله: (وشهدت تيسيره) كذا في جميع الأصول وفي جميع الطرق " من التيسير"، وحكى ابن التين عن الداودي أنه وقع عنده " وشهدت تستر " بضم المثناة وسكون المهملة وفتح المثناة وقال: معنى شهدت تستر أي فتحها، وكان في زمن عمر انتهى، ولم أر ذلك في شيء من الأصول، ومقتضاه أن لا يبقى في القصة شائبة رفع، بخلاف الرواية المحفوظة فإن فيها إشارة إلى أن ذلك كان من شأن النبي صلى الله عليه وسلم تجويز مثله، وزاد عمرو بن مرزوق في آخره " قال فقلت للرجل ما أرى الله إلا مخزيك، شتمت رجلا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم " وفي رواية مهدي بن ميمون " فقلت اسكت فعل الله بك، هل تدري من هذا؟ هو أبو برزة صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم " ولم أقف في شيء من الطرق على تسمية الرجل المذكور، وفي هذا الحديث من الفوائد جواز حكاية الرجل مناقبه إذا احتاج إلى ذلك ولم يكن في سياق الفخر، وأشار أبو برزة بقوله " ورأيت تيسيره " إلى الرد على من شدد عليه في أن يترك دابته تذهب ولا يقطع صلاته، وفيه حجة للفقهاء في قولهم: أن كل شيء يخشى إتلافه من متاع وغيره يجوز قطع الصلاة لأجله. وقوله "مألفها " يعني الموضع الذي ألفته واعتادته، وهذا بناء على غالب أمرها، ومن الجائز أن لا ترجع إلى مألفها بل تتوجه إلى حيث لا يدري بمكانها فيكون فيه تضييع المال المنهي عنه. (تنبيه) : ظاهر سياق هذه القصة أن أبا برزة لم يقطع صلاته، ويؤيده قوله في رواية عمرو بن مرزوق " فأخذها ثم رجع القهقري " فإنه لو كان قطعها ما بالى أن يرجع مستدبر القبلة، وفي رجوعه القهقري ما يشعر بأن مشيه إلى قصدها ما كان كثيرا، وهو مطابق لثاني حديثي الباب لأنه يدل أنه صلى الله عليه وسلم تأخر في صلاته وتقدم ولم يقطعها، فهو عمل يسير ومشي قليل فليس فيه استدبار القبلة فلا يضر. وفي مصنف ابن أبي شيبة " سئل الحسن عن رجل صلى فأشفق أن تذهب دابته، قال: ينصرف. قيل له أفيتم؟ قال: إذا ولى ظهره القبلة استأنف " وقد أجمع الفقهاء على أن المشي الكثير في الصلاة المفروضة يبطلها فيحمل حديث أبي برزة على القليل كما قررناه، وقد تقدم أن في بعض طرقه أن الصلاة المذكورة كانت العصر. قوله: (وإني أن كنت أن أرجع مع دابتي أحب إلي من أن أدعها) قال السهيلي: إني وما بعدها اسم مبتدأ وأن أرجع اسم مبدل من الاسم الأول وأحب خبر عن الثاني وخبر كان محذوف، أي إني إن كنت راجعا أحب إلي. وقال غيره أن كنت بفتح الهمزة وحذفت اللام وهي مع كنت بتقدير كوني وفي موضع البدل من الضمير في إني، وأن الثانية بالفتح أيضا مصدرية. ووقع في رواية حماد " فقال إن منزلي متراخ - أي متباعد - فلو صليت وتركته - أي الفرس - لم آت أهلي إلى الليل " أي لبعد المكان. الحديث: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا يُونُسُ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ قَالَ قَالَتْ عَائِشَةُ خَسَفَتْ الشَّمْسُ فَقَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَرَأَ سُورَةً طَوِيلَةً ثُمَّ رَكَعَ فَأَطَالَ ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ ثُمَّ اسْتَفْتَحَ بِسُورَةٍ أُخْرَى ثُمَّ رَكَعَ حَتَّى قَضَاهَا وَسَجَدَ ثُمَّ فَعَلَ ذَلِكَ فِي الثَّانِيَةِ ثُمَّ قَالَ إِنَّهُمَا آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ فَإِذَا رَأَيْتُمْ ذَلِكَ فَصَلُّوا حَتَّى يُفْرَجَ عَنْكُمْ لَقَدْ رَأَيْتُ فِي مَقَامِي هَذَا كُلَّ شَيْءٍ وُعِدْتُهُ حَتَّى لَقَدْ رَأَيْتُ أُرِيدُ أَنْ آخُذَ قِطْفًا مِنْ الْجَنَّةِ حِينَ رَأَيْتُمُونِي جَعَلْتُ أَتَقَدَّمُ وَلَقَدْ رَأَيْتُ جَهَنَّمَ يَحْطِمُ بَعْضُهَا بَعْضًا حِينَ رَأَيْتُمُونِي تَأَخَّرْتُ وَرَأَيْتُ فِيهَا عَمْرَو بْنَ لُحَيٍّ وَهُوَ الَّذِي سَيَّبَ السَّوَائِبَ الشرح: قوله: (أخبرنا عبد الله) هو ابن المبارك، ويونس هو ابن يزيد، وقد تقدم ما يتعلق بالكسوف من هذا الحديث من طريق عقيل وغيره عن الزهري مستوفى. وقوله "فلما قضى " أي فرغ ولم يرد القضاء الذي هو ضد الأداء. قوله: (لقد رأيت في مقامي هذا كل شيء وعدته) في رواية ابن وهب عن يونس عند مسلم " وعدتم " وله في حديث جابر " عرض علي كل شيء تولجونه". قوله: (لقد رأيت) كذا للأكثر وللحموي والمستملي " لقد رأيته " ولمسلم " حتى لقد رأيتني " وهو أوجه. قوله: (أريد أن آخذ قطفا) في حديث جابر " حتى تناولت منها قطفا فقصرت يدي عنه " والقطف بكسر أوله وذكر ابن الأثير أن كثيرا يروونه بالفتح والكسر هو الصواب. قوله: (قطفا من الجنة) يعني عنقود عنب كما تقدم في الكسوف من حديث ابن عباس. قوله: (حين رأيتموني جعلت أتقدم) قال الكرماني: قال في جهنم حين رأيتموني تأخرت لأن التقدم كاد أن يقع بخلاف التأخر فإنه قد وقع كذا قال، وقد وقع التصريح بوقوع التقدم والتأخر جميعا في حديث جابر عند مسلم ولفظه " لقد جيء بالنار، وذلكم حين رأيتموني تأخرت مخافة أن يصيبني من لفحها " وفيه " ثم جيء بالجنة، وذلكم حين رأيتموني تقدمت حتى قمت في مقامي " وقد تقدم الكلام على فوائد هذا الحديث في أبواب الكسوف. قوله: (ورأيت فيها عمرو بن لحي) باللام والمهملة مصغر وسيأتي شرح حاله في أخبار الجاهلية. قوله: (وهو الذي سيب السوائب) جمع سائبة، وسيأتي الكلام عليها في تفسير سورة المائدة إن شاء الله تعالى. وفي هذا الحديث أن المشي القليل لا يبطل الصلاة، وكذا العمل اليسير، وأن النار والجنة مخلوقتان موجودتان وغير ذلك من فوائده التي تقدمت مستقصاة في صلاة الكسوف. ووجه تعلق الحديث بالترجمة ظاهر من جهة جواز التقدم والتأخر اليسير، لأن الذي تنفلت دابته يحتاج في حال إمساكها إلى التقدم أو التأخر كما وقع لأبي برزة، وقد أشرت إلى ذلك في آخر حديثه. وأغرب الكرماني فقال: وجه تعلقه بها أن فيه مذمة تسييب الدواب مطلقا سواء كان في الصلاة أم لا.
|